من أخلاق النبوة

من أخلاق النبوة
العفو المحمدي

العفو: هو ترك المؤاخذة عند القدرة على الأخذ من المسئ المبطل.



قال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: " خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين." وقد سأل صلى الله عليه وسلم جبريل عن معنى هذه الآية فقال له:

"حتى أسأل العليم الحكيم" ، ثمّ أتاه فقال له:" يا محمد إنّ الله يأمرك أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك." وامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ربه ، فكان مضرب المثل في الخصال الثلاثة .

قالت عائشة رضي الله عنها : ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد النّاس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله بها.

دروس لنا في الوصل والعطاء والعفو من سيرته صلى الله عليه وسلم:



* بينما كان عليه الصلاة والسلام مستلقيا تحت شجرة وحده ، وأصحابه قائلون كذلك في غزاة ، فلم ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا و"غورث" قائم على رأسه ، شاهرا سيفه ، فقال في موقف الظافر بالشيء : من يمنعك مني ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " الله" ، فسقط السيف من يده ليلتقفه النبي ، وقال: " من يمنعك مني ؟" قال "غورث" : كن خير آخذ فتركه وعفا عنه ، فعاد إلى قومه قائلا: جئتكم من عند خير الناس.

* سَحَره "لبيد بن الأعصم اليهودي" فعفا عنه ، ولم يؤاخذه ، بل لم يثبت أنّه لامه أو حتى عاتبه.

* تآمر عليه المنافقون وهو في طريق عودته من تبوك إلى المدينة ليقتلوه ، وقيل له فيهم فعفا عنهم ، وقال: " لا يُتحدث أنّ محمدا يقتل أصحابه " على من أشار عليه بقتلهم.

*جاءه رجل يريد قتله ، فاكتشف أمره ، وظهرت حاله ،فقال له أصحابه إنّ هذا جاء يريد قتلك ، ففزع الرجل فزعا شديدا ، فما كان من عفوه صلى الله عليه وسلم إلا أن قال له: " لن تراع ، لن تراع ، ولو أردت ذلك – أي قتلي- لم تُسلّط علي" ؛ لأنّ الله تعالى أعلمه بعصمته له من الناس ، فعفا عنه صلى الله عليه وسلم ولم يؤاخذه بل لم يعاقبه.

فأي عفو قد زين الله به نبيه ، ومن كان الله حارسه فلا سبيل لأحد عليه .



ونختم بموقف لاتزال بركة عفوه قائمة حتى يومنا هذا ، موقف لا يستطيعه إلا من كان له من السماء وصل ، ففي صبيحة دخول جيش المسلمين منتصرا ساحة المسجد الحرام كان رجالات قريش ناكسوا رؤسهم خزيا ، ينتظرون حكما يرونه واقعا بهم لا محالة من رجل ذاق منهم ما يميت أي حق لهم في قلبه ، فماذا كان حكم الرسول الفاتح فيهم ؟ قال لهم : " يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟" قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال: " اذهبوا فأنتم الطلقاء" . بأبي أنت وأمي لم يضرب عنقا ، ولم يعنف ، ولم يقتل ، ولو فعل ما لامه أحد ، ولكنّه الخلق المحمدي أوجب عليه العفو .



المصدر: من كتاب هذا الحبيب (بتصرف)